الرياضيات - علم الفلك والتقويم - التشريح ووظائف الأعضاء - الطب والجراحة والقوانين الصحية
لـ ول ديورانت
كان معظم علماء مصر من الكهنة، ذلك لأنهم
بعيدون عن صخب الحياة وضجيجها، يتمتعون بما في الهياكل من راحة وطمأنينة؛
فكانوا هم الذين وضعوا أسس العلوم المصرية ـ رغم ما كان في عقائدهم من
خرافات ـ
وهم يقولون في أساطيرهم : إن
العلوم قد اخترعها من 000ر18 سنة قبل الميلاد " تحوت " إله الحكمة المصري
في خلال حكمه على ظهر الأرض البالغ ثلاثة آلاف من الأعوام، وإن أقدم الكتب
في كل علم من العلوم كانت من بين العشرين ألف مجلد التي وضعها هذا الإله..
وهذا ما يؤكده لنا يمبليكس (حوالي 300 ب.م) أما منيثون المؤرخ المصري الذي
عاش حوالي 300 ق.م فيرى أن هذا التقدير لا ينصف الإله؛ ويقدر عدد ما وضع "
تحوت " من الكتب بستة وثلاثين ألف كتاب.
وكان اليونان يعظمون " تحوت " ويسمونه هرمس ترسمحستس- هرممن (عطارد) المثلث العظمة.
وليس لدينا من العلم ما نستطيع به أن نفصل القول في نظرية نشأة العلوم في مصر ، وحسبنا أن نقول : إنا
نجد العلوم الرياضية متقدمة أعظم تقدم منذ بداية تاريخ مصر المدون؛ وشاهد
ذلك أن تصميم الأهرام وتشييدها يتطلبان الدقة في القياس لا يستطاع الوصول
إليها بغير معرفة واسعة بالعلوم الرياضية.
ولقد أدى اعتماد الحياة في مصر على ارتفاع النيل وانخفاضه إلى
العناية بتسجيل هذا الارتفاع والانخفاض ، وإلى حسابهما حسابا دقيقا ، وكان
المساحون والكتبة لا ينقطعون من قياس الأراضي التي محا الفيضان معالم
حدودها؛ وما من شك في أن هذا القياس كان منشأ فن الهندسة، وشاهد ذلك أن
اسمها الأجنبي geometry مشتق من كلمتين معناهما قياس الأرض.
والأقدمون كلهم تقريبا مجمعون على أن هذا العلم من وضع المصريين ،
وإن كان يوسفوس يظن أن إبراهيم قد جاء بالحساب من كلديا (أي من أرض
الجزيرة) إلى مصر، وليس من المستحيل أن يكون الحساب وغيره من العلوم
والفنون قد جاءت إلى مصر من "أور الكلدان" أو من غيرها من مراكز آسية
الغربية.
وكانت الأرقام سمجة متعبة- فقد كان رقم 1 يمثل له بشرطة ، ورقم 2 بشرطتين
، و 3 بثلاث شرط... ، و 9 بتسع شرط ، وتمثل العشرة بعلامة خاصة ، والعشرون
باثنتين من هذه العلامات ، والثلاثون بثلاث منها... ، والتسعون بتسع ،
والمائة بعلامة أخرى جديدة ، والمائتان بعلامتين ، والثلاثمائة بثلاث
علامات... ، والتسعمائة بتسع ، والألف بعلامة جديدة ، أما المليون فكانت
تمثله صورة رجل يضرب كفا بكف فوق رأسه ، كأنه يعبر عن دهشته من وجود مثل
هذا العدد الكبير ، وكاد المصريون أن يصلوا إلى الطريقة العشرية في
الأعداد؛ وإن لم يعرفوا الصفر ، ولم يصلوا قط إلى فكرة التعبير عن جميع
الأعداد بعشرة أرقام ، بل كانوا يعبرون عن رقم 999 مثلاً بسبع وعشرين
علامة.
وكانوا يعرفون الكسور الاعتيادية، ولكن بسط هذه الكسور كان رقم 1 على
الدوام؛ فكانوا إذا أرادوا كتابة 3slash4 كتبوها 1slash2 + 1slash4 .
وجداول الضرب والقسمة قديمة قدم الأهرام، وأقدم رسالة في الرياضة
عرفت في التاريخ هي بردية أحمس التي يرجع تاريخها إلى ما بين عام ألفين
وألف وسبعمائة قبل الميلاد؛ ولكن هذه البردية نفسها تشير إلى كتابات
رياضية أقدم منها بخمسمائة عام ، وهي تحسب سعة مخزن للغلال أو مساحة حقل ،
وتضرب لهذا الحساب أمثلة ، ثم تنتقل من هذا إلى معادلات جبرية من الدرجة
الأولى.
ولم تقتصر الهندسة المصرية على قياس مساحات المربعات والدوائر والمكعبات،
بل كانت تقيس أيضا أحجام الأسطوانات والكرات؛ وقد وصلت إلى تقدير النسبة
التقريبية بـ 3.16.
وما أعظم فخرنا إذا استطعنا في أربعة آلاف عام أن نتقدم في حساب هذه النسبة التقريبية من 3.16 إلى 3.1416 .
ولسنا نعرف شيئاً عما وصل إليه المصريون في علمي الطبيعة والكيمياء، ولا
نكاد نعرف شيئاً عما وصلوا إليه في علم الفلك ، ويلوح أن راصدي النجوم في
الهياكل كانوا يظنون الأرض صندوقاً مستطيلاً تقوم في أركانه الجبال لتمسك
السماء.
ولم يشيروا بشيء إلى الخسوف والكسوف، وكانوا في هذا العلم بوجه عام
أقل رقياً من معاصريهم في أرض النهرين، ولكنهم مع هذا كانوا يعرفون منه ما
يكفي للتنبؤ باليوم الذي يرتفع فيه النيل، وأن يتجهوا بهياكلهم نحو الشرق
في النقطة التي تشرق منها الشمس في صباح يوم الانقلاب الصيفي.
ولربما كانوا يعرفون أكثر مما عنوا بإذاعته بين شعب كانت خدماته عظيمة
القيمة لحكامه ، وكان الكهنة يرون أن دراساتهم الفلكية من العلوم السرية
الخفية التي لا يحبون أن يكشفوا أسرارها للسوقة من الناس.
وظلوا قروناً طويلة متتالية يتتبعون مواقع الكواكب وحركاتها حتى شملت سجلاتهم في هذه الناحية آلاف السنين.
وكانوا يميزون الكواكب السيّارة من النجوم الثوابت، وذكروا في فهارسهم
نجوماً من القدر الخامس (وهي لا تكاد ترى بالعين العادية) وسجلوا ما ظنوه
أثر نجوم السماء في مصائر البشر ، ومن هذه الملاحظات أنشئوا التقويم الذي
أصبح فيما بعد من أعظم ما أورثه المصريون بني الإنسان.
لـ ول ديورانت
كان معظم علماء مصر من الكهنة، ذلك لأنهم
بعيدون عن صخب الحياة وضجيجها، يتمتعون بما في الهياكل من راحة وطمأنينة؛
فكانوا هم الذين وضعوا أسس العلوم المصرية ـ رغم ما كان في عقائدهم من
خرافات ـ
وهم يقولون في أساطيرهم : إن
العلوم قد اخترعها من 000ر18 سنة قبل الميلاد " تحوت " إله الحكمة المصري
في خلال حكمه على ظهر الأرض البالغ ثلاثة آلاف من الأعوام، وإن أقدم الكتب
في كل علم من العلوم كانت من بين العشرين ألف مجلد التي وضعها هذا الإله..
وهذا ما يؤكده لنا يمبليكس (حوالي 300 ب.م) أما منيثون المؤرخ المصري الذي
عاش حوالي 300 ق.م فيرى أن هذا التقدير لا ينصف الإله؛ ويقدر عدد ما وضع "
تحوت " من الكتب بستة وثلاثين ألف كتاب.
وكان اليونان يعظمون " تحوت " ويسمونه هرمس ترسمحستس- هرممن (عطارد) المثلث العظمة.
وليس لدينا من العلم ما نستطيع به أن نفصل القول في نظرية نشأة العلوم في مصر ، وحسبنا أن نقول : إنا
نجد العلوم الرياضية متقدمة أعظم تقدم منذ بداية تاريخ مصر المدون؛ وشاهد
ذلك أن تصميم الأهرام وتشييدها يتطلبان الدقة في القياس لا يستطاع الوصول
إليها بغير معرفة واسعة بالعلوم الرياضية.
ولقد أدى اعتماد الحياة في مصر على ارتفاع النيل وانخفاضه إلى
العناية بتسجيل هذا الارتفاع والانخفاض ، وإلى حسابهما حسابا دقيقا ، وكان
المساحون والكتبة لا ينقطعون من قياس الأراضي التي محا الفيضان معالم
حدودها؛ وما من شك في أن هذا القياس كان منشأ فن الهندسة، وشاهد ذلك أن
اسمها الأجنبي geometry مشتق من كلمتين معناهما قياس الأرض.
والأقدمون كلهم تقريبا مجمعون على أن هذا العلم من وضع المصريين ،
وإن كان يوسفوس يظن أن إبراهيم قد جاء بالحساب من كلديا (أي من أرض
الجزيرة) إلى مصر، وليس من المستحيل أن يكون الحساب وغيره من العلوم
والفنون قد جاءت إلى مصر من "أور الكلدان" أو من غيرها من مراكز آسية
الغربية.
وكانت الأرقام سمجة متعبة- فقد كان رقم 1 يمثل له بشرطة ، ورقم 2 بشرطتين
، و 3 بثلاث شرط... ، و 9 بتسع شرط ، وتمثل العشرة بعلامة خاصة ، والعشرون
باثنتين من هذه العلامات ، والثلاثون بثلاث منها... ، والتسعون بتسع ،
والمائة بعلامة أخرى جديدة ، والمائتان بعلامتين ، والثلاثمائة بثلاث
علامات... ، والتسعمائة بتسع ، والألف بعلامة جديدة ، أما المليون فكانت
تمثله صورة رجل يضرب كفا بكف فوق رأسه ، كأنه يعبر عن دهشته من وجود مثل
هذا العدد الكبير ، وكاد المصريون أن يصلوا إلى الطريقة العشرية في
الأعداد؛ وإن لم يعرفوا الصفر ، ولم يصلوا قط إلى فكرة التعبير عن جميع
الأعداد بعشرة أرقام ، بل كانوا يعبرون عن رقم 999 مثلاً بسبع وعشرين
علامة.
وكانوا يعرفون الكسور الاعتيادية، ولكن بسط هذه الكسور كان رقم 1 على
الدوام؛ فكانوا إذا أرادوا كتابة 3slash4 كتبوها 1slash2 + 1slash4 .
وجداول الضرب والقسمة قديمة قدم الأهرام، وأقدم رسالة في الرياضة
عرفت في التاريخ هي بردية أحمس التي يرجع تاريخها إلى ما بين عام ألفين
وألف وسبعمائة قبل الميلاد؛ ولكن هذه البردية نفسها تشير إلى كتابات
رياضية أقدم منها بخمسمائة عام ، وهي تحسب سعة مخزن للغلال أو مساحة حقل ،
وتضرب لهذا الحساب أمثلة ، ثم تنتقل من هذا إلى معادلات جبرية من الدرجة
الأولى.
ولم تقتصر الهندسة المصرية على قياس مساحات المربعات والدوائر والمكعبات،
بل كانت تقيس أيضا أحجام الأسطوانات والكرات؛ وقد وصلت إلى تقدير النسبة
التقريبية بـ 3.16.
وما أعظم فخرنا إذا استطعنا في أربعة آلاف عام أن نتقدم في حساب هذه النسبة التقريبية من 3.16 إلى 3.1416 .
ولسنا نعرف شيئاً عما وصل إليه المصريون في علمي الطبيعة والكيمياء، ولا
نكاد نعرف شيئاً عما وصلوا إليه في علم الفلك ، ويلوح أن راصدي النجوم في
الهياكل كانوا يظنون الأرض صندوقاً مستطيلاً تقوم في أركانه الجبال لتمسك
السماء.
ولم يشيروا بشيء إلى الخسوف والكسوف، وكانوا في هذا العلم بوجه عام
أقل رقياً من معاصريهم في أرض النهرين، ولكنهم مع هذا كانوا يعرفون منه ما
يكفي للتنبؤ باليوم الذي يرتفع فيه النيل، وأن يتجهوا بهياكلهم نحو الشرق
في النقطة التي تشرق منها الشمس في صباح يوم الانقلاب الصيفي.
ولربما كانوا يعرفون أكثر مما عنوا بإذاعته بين شعب كانت خدماته عظيمة
القيمة لحكامه ، وكان الكهنة يرون أن دراساتهم الفلكية من العلوم السرية
الخفية التي لا يحبون أن يكشفوا أسرارها للسوقة من الناس.
وظلوا قروناً طويلة متتالية يتتبعون مواقع الكواكب وحركاتها حتى شملت سجلاتهم في هذه الناحية آلاف السنين.
وكانوا يميزون الكواكب السيّارة من النجوم الثوابت، وذكروا في فهارسهم
نجوماً من القدر الخامس (وهي لا تكاد ترى بالعين العادية) وسجلوا ما ظنوه
أثر نجوم السماء في مصائر البشر ، ومن هذه الملاحظات أنشئوا التقويم الذي
أصبح فيما بعد من أعظم ما أورثه المصريون بني الإنسان.