|
- الإصابة لم تتعدَّ 16 ألف نسمة بينما تتجاوز نصف مليون في "العادية"
- شركات إنتاج الأمصال نصبت على الشعوب وحققت أرباحًا خيالية
- الحملة أطاحت بميزانية وزارة الصحة والأولى توجيهها للأكثر احتياجًا
- إغلاق المدارس دون غيرها من التجمعات يؤكد نوايا سياسية خفية
تحقيق- إيمان إسماعيل وإيناس أحمد:
لماذا
هدأت فجأةً موجة التحذيرات من خطورة فيروس إنفلونزا الخنازير ""AH1N1، على
الرغم من تحذيرات سابقة بأن تلك الفترة من العام ستكون دورة الفيروس على
أشدها، وتوقعات أخرى تُحذِّر من خطورة تحور الفيروس.
ومع
الأسبوع الثاني من الفصل الدراسي الثاني تلاشت كافة الإجراءات الاحترازية
في المدارس والجامعات، وهدأ الضجيج الإعلامي، وكأنَّ شيئًا لم يكن، وثبت
فعليًّا صدق الأصوات التي كانت تنادي بعدم الالتفات إلى الفيروس، وأنه
مجرد "فرقعة" وهمية لشغل الرأي العام بقضايا وهمية، إلى جانب أنها كانت
مجرد ترويج لشركات أدوية عالمية، وأعلنت منظمة الصحة العالمية أن هناك
حالة هدوء يشهدها الوباء خلال تلك الفترة، مؤكدةً أن دورة الوباء الحالية
تشهد تراجعًا كبيرًا، هذا على الرغم من تحذير خبراء الأوبئة في فترة
ماضية، على مستوى العالم من احتمالية اندلاع موجة جديدة من الفيروس،
واحتمالية ظهور سلالة جديدة من فيروس ""AH1N1 المسبب لإنفلونزا الخنازير،
وأنه من المفترض أن يكون أخطر في الأيام الحالية.
تقول
سمية حامد (والدة لثلاثة أطفال بالمراحل الابتدائية): "مشرفة الباص التابع
للمدرسة، كانت بمجرد دخول أبنائي إلى "الباص" تقوم بقياس درجة حرارتهم،
فإذا ما وجدتها مرتفعة ترفض استقبالهم وتُعيدهم في الحال، فضلاً عن أنها
كانت تتأكد من امتلاك كل تلميذ لمطهر وصابونة".
وتستكمل
قائلةً: "إلا أن الفصل الدراسي الثاني لم يوجد به أية احتياطات تُذكر، فلم
يعد هناك مَن يقيس درجة حرارة الأطفال، ولم يعد هناك مَن يهتم بنظافة
أيديهم من عدمها، حتى إني عندما سألت إحدى المدرسات عن سبب ذلك التراخي
والتساهل، قالت لي: "بيقولوا إن الإنفلونزا مبقتش موجودة خلاص، وأن
الخطورة زالت، وسبيها على الله"!!.
وتضيف
معالي حسن ربة منزل: على الرغم من أن ابني في سنة أولى حضانة، ومرَّ أكثر
من أسبوع على وجوده في المدرسة إلا أنه لا يوجد أية احتياطات تقوم بها
المدرسة ضد إنفلونزا الخنازير، مشددةً على ضرورة وجود مقومات نظافة أساسية
متوفرة في كل مدرسة، سواء في ظل انتشار فيروس إنفلونزا الخنازير أم لا،
مؤكدةً أن معظم المدارس لا يوجد بها أي مقومات نظافة.
تهويل زائف
ويوضح
الدكتور عصام رمضان أستاذ الميروبيولوجي، وخبير الصحة بالأمم المتحدة،
وعضو اللجنة العليا المتابعة لمرض إنفلونزا الخنازير بمصر، أن منظمة الصحة
العالمية أعلنت عن إحصائية تفيد بأن نسبة الوفيات في العالم كله بسبب
إنفلونزا الخنازير لا تتعدى 16 ألف نسمة مقارنةً بالإنفلونزا العادية،
والتي تكون نسبة الوفيات فيها ما يقارب نصف مليون نسمة سنويًّا، مشيرًا
إلى أن ما تم اتخاذه من إجراءات سابقة لمواجهة المرض كان به الكثير من
التهويل، وخلق الفزع دون داعٍ.
ويضيف
أن التخوف الأكبر كان من تغير تركيبة فيروس إنفلونزا الخنازير وتحوره
واجتماعه مع فيروس إنفلونزا الطيور، ولكن هذا لم يحدث؛ لأن الفيروس كان
أضعف ما يكون، فضلاً عن عدم قدرته على التحور والاندماج مع أي فيروس آخر؛
وبالتالي انحسرت نسبة الوفيات وتراجعت خطورة المرض كفيروس موسمي، وهو ما
أدَّى إلى حالة الهدوء الذي ساد بعد الضجة وحالة الفزع التي عمَّت الشعب
المصري بفضل الحكومة.
ويؤكد
أن شركات الأدوية صرفت ملايين الجنيهات، وأنتجت لقاحات كثيرة جدًّا خلال
تلك الفترة، والتي فاض منها الكثير، بالإضافةِ إلى وجود فائض يزيد عن 5
ملايين جرعة "تامفيلو"، مشيرًا إلى أن شركات الأدوية استغلت تلك الأزمة،
واعتبرتها فرصةً مربحةً لإنتاج العديد من اللقاحات المضادة، والتي حققت
على أثرها أرباحًا تتعدى ملايين الجنيهات.
"كذبة أبريل"!
د. عبد العزيز خلف |
ويشبه
الدكتور عبد العزيز خلف، عضو الكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين، وعضو
لجنة الصحة بمجلس الشعب، الحملةَ الوقائيةَ التي تبنتها وزارة الصحة خلال
الفترة الماضية لمواجهة فيروس إنفلونزا الخنازير بـ"كذبة أبريل"، مشيرًا
إلى أن هناك حالةً من التهويل الزائد عن حده، وحالة من الإرباك المتعمد،
التي تم اتباعها لحصر فيروس إنفلونزا الخنازير، والتي كان من الممكن حصره
بمجهودات أقل ومبالغ أرخص إذا ما تم توجيهه في المسار الصحيح.
ويوضح
أن تلك الحملة وراءها بذور سياسية خفية، من ترويج لشركات دواء عالمية،
وغيرها من الخفايا التي لا يعلمها سوى نفر من المسئولين المتسببين في تلك
الضجة، مشيرًا إلى أنه لا علاقةَ لتلك الاحتياطيات، وتلك الضجة بالحفاظ
على الصحة العامة للمواطنين أو حمايتهم ضد الفيروس!!
ويتهم
د. خلف منظمة الصحة العالمية بعدم أمانتها في التعامل مع الرأي العام حول
مدى خطورة الفيروس، بالإضافةِ إلى تعمدها تهويل الوضع بشكلٍ زائد عن حده؛
مما خلق حالة من الذعر والإرباك على مستوى العالم دون داعٍ.
ويشير
إلى أن حجم الخسائر التي تكبدتها وزارة الصحة على المستوى المادي يفوق
ملايين الجنيهات، والتي كان من الممكن توفيرها لتغطية عجز آخر أشد
احتياجًا في قطاع مغاير، موضحًا أن الحملات الإعلامية التي قادتها وزارة
الصحة، من إنفاقٍ على بوسترات وغيرها، فضلاً عن استيرادها لـ1200 جرعة من
التطعيم، والتي يصل سعر الجرعة الواحدة فيها إلى 400 جنيه، كبَّد وزارة
الصحة خسائر فادحة، وزاد من استهلاك ميزانيتها في غير مسارها الصحيح.
ويضيف
أنه كان من الأولى من صرف ملايين الجنيهات تلك على فيروس ضعيف، أن يتم
توجيهها إلى قطاع أكثر احتياجًا، مثل مرضى الكبد، والذي يتجاوز المصابين
به في مصر المليون، مشيرًا إلى أنه حتى الآن لم يثبت وفاة شخص بسبب
إنفلونزا الخنازير بشكلٍ مباشر؛ حيث إن المتوفين كان لديهم أمراض مزمنة من
قلب وسكر وغيرها هو ما أدَّى إلى ضعف مناعتهم ووفاتهم في الحال.
أسرار خفية!
ومن
جانبه يفند الدكتور مصطفى كمال الدين أستاذ طب البيئة والأمراض المهنية
بكلية الطب جامعة عين شمس قائلاً: إن انتشار فيروس الإنفلونزا الخنازير له
مواسم محددة طوال السنة ينشط فيها طبقًا لبرودة الجو، مشيرًا إلى أن قدوم
موجة الحر السابقة قطعت سلسلة تكاثر الفيروس؛ لأنه يعيش وينشط في الجو
البارد فقط؛ مما أدَّى إلى هدوئه التام حاليًّا.
ويؤكد
أن التخويف والتهويل الذي حدث مع بداية ظهور الفيروس كان مبنيًّا على
افتراضات خاطئة لا أساس علمي لها، مضيفًا أن أغلب الاحتياطات التي تم
اتخاذها كانت إجراءات تحفظيه غير مبررة أكثر منها واجبة.
ويستنكر
د. كمال الدين تصرف وزارتي الصحة التعليم نحو إغلاق ذلك الكم المهول من
المدارس وإعطاء الطلاب إجازات كثيرة دون داعٍ؛ مما أثَّر بدوره على سير
مناهج التعليم وعلى استيعاب الطلاب وتحصيلهم الدراسي، مشيرًا إلى أنه في
الوقت ذاته سمحت الحكومة بإقامة المباريات الجماهيرية، والعروض السينمائية
والمسرحية، والحفلات التجمعية، والتي يحتشد فيها الملايين من الناس دون
وجود أي احتياطات وقائية تذكر، ملمحًا أن الأمر به شيء خفي غير معلوم وراء
حملة إغلاق المدارس على وجه الأخص، وترك كافة التجمعات الأخرى.
ويشدد
على ضرورة الاتعاظ فيما هو قادم وعدم الالتفات إلى حملات التهويل من أي
فيروسات جديدة، وتوخي الحذر بناءً على أسس علمية في التعامل معها، لافتًا
النظر إلى أن البشرية منذ نشأتها وهي قد مرت عليها العديد من الفيروسات،
ولكنها لم تتعامل معها بتلك الضجة المبالغ فيها، ومع ذلك مرت أغلبها بسلام
وبشكل طبيعي تمامًا.
وأخيرًا
يلفت النظر إلى أن أكثر ما يكون ملحًّا وقت ظهور أي فيروسات هو اتخاذ
إجراءات وقائية زائدة لحماية أي حالات حرجة؛ لأن مناعتها تكون أكثر ضعفًا
لإنتاج أجسام مضادة تواجهه أي فيروس يهاجم الجسم.
الإنفلونزا الموسمية
ويشير
الدكتور عادل عبد الحميد "أستاذ الأمراض المعدية بكلية الطب البيطري
بجامعة القاهرة إلى أن شركات الأدوية أفرطت في إنتاج هذه اللقاحات أكثر
مما يحتاجه المجتمع وأكثر من المطلوب بمراحل، وهو الأمر الذي أثَّر على
شركات الأدوية بالإيجاب في المكسب والربح من وراء إنتاج اللقاحات بهذه
الصورة.
ويؤكد
أن إنفلونزا الخنازير إن عاودت الظهور في العام القادم ستكون نسبة التعرض
للإصابة بها أقل بكثير وربما لا تُذكر، مستنكرًا إهدار الحكومة ملايين
الجنيهات في غير محلها، على الرغم من أن ميزانية وزارة الصحة- كما تدعي-
متهالكة، فكان الأولى توجيه تلك الأموال للاستفادة وسد العجز في قطاع آخر.
ويوضح
د. عبد الحميد أن الفيروس ثبت أنه موسمي يأتي في شهور معينة تزيد فيها
نسبة الانتشار والإصابات والوفيات، وبمجرد انتهاء ذلك الموسم تنحسر نسب
الإصابة، حتى من الممكن اختفاؤها تمامًا إلى أن يعاود في الظهور مرةً أخرى
في موسمه المعروف، مشيرًا إلى أنه كان من الممكن التعامل مع فيروس
إنفلونزا الخنازير على أنه فيروس موسمي عادي تمامًا، مثل الإنفلونزا
العادية التي تعتبر أوسع انتشارًا وأكثر خطرًا على صحة الإنسان.
ويلفت
النظر إلى أن الشخص الذي أُصيب بالإنفلونزا من قبل لن يصاب به مرةً أخرى
في حياته؛ لأنه يكون بذلك قد حصل على حصانة ضد المرض، وأيضًا لن يصاب
الشخص الذي حصل على اللقاح والتطعيم ضد المرض.
ويؤكد
أن الاحتياطات التي أُجريت في المدارس والجامعات والشوارع بدأت في
الاختفاء إلى حدِّ التلاشي تمامًا، باختفاء المرض وانحساره، خاصةً بعد
إعلان منظمة الصحة العالمية عن طبيعة المرض وطبيعة تكوينه وانتشاره، بعد
حالة من الفزع والرعب خلقتها لدى الشعب المصري بجميع فئاته.