عزمي بشارة
من القاهرة مع خالص الحب
الكلام
التلفيقي، كما أسلفنا، اختصاصه (الرئيس الأمريكي الجديد) الدائم، مع
الديمقراطية وضد تصديرها، مع الفلسطينيين وضد المقاومة، مع الحرب على
أفغانستان وضد الحرب على العراق ويعتبر القضية برمتها قضية أفكار نمطية،
يدين العنف الفلسطيني لا عنف الاحتلال، ولكنه ينتقد الاستيطان.. هذا
اختصاص توازن الألفاظ الذي لا يضر ولا ينفع خارج الواقع والممارسة.
ولو لُفِت نظره فسوف يُدخل في الخطاب القادم كلمة ضد العنف
الإسرائيلي ثم سيبرره في العبارة التالية، فهو -كما قال- ضد الحرب على
العراق، ولكن تغيير صدام بفضلها كان إيجابيا.
أما نابليون، فأذكّر القارئ بأنه قال في بداية حملته على مصر حين خطب
-حسبما نقله الجبرتي- في العلماء والمشايخ مفتتحا كلامه بالبسملة رافضا
ليس الشرك فحسب، بل حتى مبدأ الأب والابن «بسم الله الرحمن الرحيم.. لا
إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة
قولوا لأمّتكم إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد
نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحث
النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها
الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة
المسلمين».
لقد ادعى نابليون أنه مسلم وأن الفرنسيين مسلمون وأنه حارب الفاتيكان
لأنه أطلق الحملات ضد المسلمين.. صدق أو لا تصدق!! ولن أضيف.. وهو نفس
نابليون الذي دعم إقامة دولة لليهود في فلسطين قبل نشوء الصهيونية.
مهما نافق الرئيس الأمريكي الجديد بلغة اللياقة السياسية «من ناحية..
ومن ناحية أخرى..» بشكل لا يغضب أحدا، فإنه لن يصل إلى مستوى خطابات أخرى
سمعها العرب الحاليون وأسلافهم، ولا يرغب بعضهم في تذكرها.
سيفرح الرئيس الأمريكي الجديد المحافظين العرب ببراغماتيته، وعدم
رغبته في تصدير الديمقراطية، وبرغبته في التعايش على أساس المصالح
المشتركة مع الأنظمة العربية والإسلامية القائمة.. هذه المصالح المغلفة
بحوار الحضارات والتسامح والاحترام المتبادل. ولكنهم سيغضبون إذا اتبع نفس
البراغماتية تجاه إيران.
أما الليبراليون الجدد العرب الذين التقوا مع المحافظين الجدد على
تصدير الثورة الديمقراطية على المدمرات الأمريكية، فسيخيِّب أمل بعضهم،
ولكنهم سيعوضون عن ذلك بتمكنهم من مدح أمريكا علنا لأنها تخلت عن الحرب
المباشرة والفورية لصالح لغة الدبلوماسية والسلام والحوار وغيرها، وهذا ما
سيحصل فعلا في منطقة الخليج وغيرها.
وعندما تتراجع الولايات المتحدة عنها بسبب «التعنت» الإيراني ورفض
وقف التخصيب، أو إذا لم يتم التوصل إلى تسوية/صفقة مع إيران، فسيمتدحون
أمريكا أيضا حين تشدد العقوبات.
فلسطينياً:
من اتفق من العرب مع كل ما قاله الرئيس الأمريكي السابق لا يفترض أن
يهمه كثيرا ما سيقوله الرئيس الجديد ولا تحليلنا لما أدلى ويدلي به، فهو
سيتفق مع الرئيس الأمريكي على أية حال.
وهل كانت لدى النظم العربية الحليفة للولايات المتحدة مشكلة مع ما
درج بوش على قوله لكي تأمل خيرا مما سوف يقوله الرئيس الجديد؟ فما يقوله
رئيس الولايات المتحدة هو خير بحكم تعريفه، وذلك بالنسبة إلى من يرى أنه
لا بد من قبول ما يقوله والتنظير له وشرحه، ولو قال عكس ما يُنَظَّر له
حاليا.. فهذه هي الاستراتيجية الوحيدة في جعبة هذه النظم.
ولكي لا أصعِّب على أحد هضم ما يقال، فلن أستعين بخطابات سابقة لبوش
حول الإسلام والتطرف والاعتدال والخير والشر اتفق معها عرب أمريكا
المحافظون، وكلام آخر حول ضرورة الديمقراطية اتفق معه عليها عرب أمريكا
الليبراليون الجدد، فوجد كلٌّ منهم ضالته في كلام بوش.. ولو كانوا على
طرفي نقيض فكريا، لم يكونوا كذلك ممارسة.
فكان التحالف مع بوش كافيا للقاء الليبراليين الجدد مع الأنظمة غير
الليبرالية وغير الديمقراطية العربية الحليفة للحليف.. بل سأذهب إلى خريطة
الطريق.
ولماذا يأمل العرب جديدا في الشأن الفلسطيني من الرئيس الأمريكي ما
داموا قد وافقوا بحماس على خريطة الطريق التي طرحها بوش؟ وقد حوَّلوا هذه
الخريطة إلى مطلب وسقف تجري مطالبة إسرائيل بتنفيذه بعدما نفذ الفلسطينيون
حصتهم منه.
وظهر ذلك جليا إبان الحرب على غزة، عندما قمعت السلطة في الضفة ليس
فقط المقاومة، بل أيضا التضامن السلمي مع غزة. فهذا، في رأيهم، يؤهل
الفلسطينيين للمطالبة بأن تنفذ إسرائيل حصتها من الخريطة ما دامت فقراتها
الأولى المتعلقة بهدم البنى التحتية للإرهاب، إما نفذت أو قيد التنفيذ
الحثيث.
ولماذا يتوقع العرب جديدا من الرئيس الجديد ويهتفون لإصراره على دولة
فلسطينية وحل الدولتين ما دام بوش قد رأى (من رؤيا، والمقصود رؤيا بوش)
دولة فلسطينية قبل نهاية عهده؟ سبق أن تحمسوا لرؤيا بوش، ويتحمسون الآن
لرؤيا أوباما.
تغيرت أمريكا.. لا شك، كما تغيرت في عهد روزفلت وكيندي وريغان. أما المشكلة فهي تغيير عقل الأنظمة العربية السياسي.
صحيح أن هناك نبرة أمريكية جديدة تجاه إسرائيل تشبه نبرة اليسار
الصهيوني -وليس اليمين الصهيوني- بالتأكيد على «حقين لشعبين»، وتعتبر
الدولة اليهودية قيمة عليا، وترسم تكافؤا حيث لا تكافؤ.
حسنا.. نبرة جديدة إذن، ولكن حتى هذه النبرة الجديدة ناجمة ليس عن
تغيير في أمريكا فقط بل تغيير في إسرائيل أيضا، فهناك حكومة في إسرائيل
ترفض التعهد شفويا بتجميد الاستيطان كما فعلت الحكومة الإسرائيلية السابقة
لإدارة بوش، كما ترفض الالتزام الشفوي بمبدأ حل الدولتين كما فعلت الحكومة
السابقة في عهد أولمرت.. هذا هو الفرق.
وينجم رفض أوباما التعهد بالالتزام بورقة طمأنات بوش لشارون عن رفض
نتنياهو الالتزام «برؤيا بوش» المتعلقة بحل الدولتين. التغيير هو، أولا،
في النبرة الإسرائيلية نحو اليمين تبعه تغير في النبرة الأمريكية تجاه هذا
التغيير. وفي الشأن الفلسطيني، تحديدا، لا يوجد تغيير فعلي في الموقف
الأمريكي.
تغيرت النبرة لأن هناك حكومة إسرائيلية غيرت نبرتها وترفض الالتزام
بأسسٍ تمكِّن من العودة إلى ما يسمى «عملية السلام»، وهذا ما يمكن لأوباما
التعهد به فعلا للعرب عدا تغيير النبرة: الضغط على إسرائيل للعودة إلى
«عملية سلام».
فأمريكا وحلفاؤها العرب بحاجة إلى مثل هذه العملية السياسية الجارية
التي صارت تشكل موسيقى مرافقة دائمة، وأجواء لا بد منها في تصوير فيلم
الاعتدال العربي، مثل الموسيقى التي ترافق التغطية الصامتة للاستقبالات
والمناسبات في التلفزيونات الرسمية في الدول التي يزورها الرئيس الأمريكي
حاليا.
لا تكمن المشكلة في الاعتراف بحصول تغير في الولايات المتحدة، وهو
على كل حال لا ينشأ ولا يعبر عنه حتى في محاضرة أو زيارة، بل المشكلة في
غياب استراتيجية عربية.
ولذلك فحتى لو جرى تغيير، فما عدا الفرح بتغيّر النبرة والأجواء، ليس
بوسع العرب أن يحصدوا الكثير من هذا التغيير ما داموا يعيشون دون تحديد
للمصالح العربية ودون استراتيجية.
التلفيقي، كما أسلفنا، اختصاصه (الرئيس الأمريكي الجديد) الدائم، مع
الديمقراطية وضد تصديرها، مع الفلسطينيين وضد المقاومة، مع الحرب على
أفغانستان وضد الحرب على العراق ويعتبر القضية برمتها قضية أفكار نمطية،
يدين العنف الفلسطيني لا عنف الاحتلال، ولكنه ينتقد الاستيطان.. هذا
اختصاص توازن الألفاظ الذي لا يضر ولا ينفع خارج الواقع والممارسة.
ولو لُفِت نظره فسوف يُدخل في الخطاب القادم كلمة ضد العنف
الإسرائيلي ثم سيبرره في العبارة التالية، فهو -كما قال- ضد الحرب على
العراق، ولكن تغيير صدام بفضلها كان إيجابيا.
أما نابليون، فأذكّر القارئ بأنه قال في بداية حملته على مصر حين خطب
-حسبما نقله الجبرتي- في العلماء والمشايخ مفتتحا كلامه بالبسملة رافضا
ليس الشرك فحسب، بل حتى مبدأ الأب والابن «بسم الله الرحمن الرحيم.. لا
إله إلا الله، لا ولد له ولا شريك له في ملكه.. أيها المشايخ والأئمة
قولوا لأمّتكم إن الفرنساوية هم أيضا مسلمون مخلصون، وإثبات ذلك أنهم قد
نزلوا في روما الكبرى وخرّبوا فيها كرسي البابا الذي كان دائماً يحث
النصارى على محاربة الإسلام، ثم قصدوا جزيرة مالطا وطردوا منها
الكوالليرية الذين كانوا يزعمون أن الله تعالى يطلب منهم مقاتلة
المسلمين».
لقد ادعى نابليون أنه مسلم وأن الفرنسيين مسلمون وأنه حارب الفاتيكان
لأنه أطلق الحملات ضد المسلمين.. صدق أو لا تصدق!! ولن أضيف.. وهو نفس
نابليون الذي دعم إقامة دولة لليهود في فلسطين قبل نشوء الصهيونية.
مهما نافق الرئيس الأمريكي الجديد بلغة اللياقة السياسية «من ناحية..
ومن ناحية أخرى..» بشكل لا يغضب أحدا، فإنه لن يصل إلى مستوى خطابات أخرى
سمعها العرب الحاليون وأسلافهم، ولا يرغب بعضهم في تذكرها.
سيفرح الرئيس الأمريكي الجديد المحافظين العرب ببراغماتيته، وعدم
رغبته في تصدير الديمقراطية، وبرغبته في التعايش على أساس المصالح
المشتركة مع الأنظمة العربية والإسلامية القائمة.. هذه المصالح المغلفة
بحوار الحضارات والتسامح والاحترام المتبادل. ولكنهم سيغضبون إذا اتبع نفس
البراغماتية تجاه إيران.
أما الليبراليون الجدد العرب الذين التقوا مع المحافظين الجدد على
تصدير الثورة الديمقراطية على المدمرات الأمريكية، فسيخيِّب أمل بعضهم،
ولكنهم سيعوضون عن ذلك بتمكنهم من مدح أمريكا علنا لأنها تخلت عن الحرب
المباشرة والفورية لصالح لغة الدبلوماسية والسلام والحوار وغيرها، وهذا ما
سيحصل فعلا في منطقة الخليج وغيرها.
وعندما تتراجع الولايات المتحدة عنها بسبب «التعنت» الإيراني ورفض
وقف التخصيب، أو إذا لم يتم التوصل إلى تسوية/صفقة مع إيران، فسيمتدحون
أمريكا أيضا حين تشدد العقوبات.
فلسطينياً:
من اتفق من العرب مع كل ما قاله الرئيس الأمريكي السابق لا يفترض أن
يهمه كثيرا ما سيقوله الرئيس الجديد ولا تحليلنا لما أدلى ويدلي به، فهو
سيتفق مع الرئيس الأمريكي على أية حال.
وهل كانت لدى النظم العربية الحليفة للولايات المتحدة مشكلة مع ما
درج بوش على قوله لكي تأمل خيرا مما سوف يقوله الرئيس الجديد؟ فما يقوله
رئيس الولايات المتحدة هو خير بحكم تعريفه، وذلك بالنسبة إلى من يرى أنه
لا بد من قبول ما يقوله والتنظير له وشرحه، ولو قال عكس ما يُنَظَّر له
حاليا.. فهذه هي الاستراتيجية الوحيدة في جعبة هذه النظم.
ولكي لا أصعِّب على أحد هضم ما يقال، فلن أستعين بخطابات سابقة لبوش
حول الإسلام والتطرف والاعتدال والخير والشر اتفق معها عرب أمريكا
المحافظون، وكلام آخر حول ضرورة الديمقراطية اتفق معه عليها عرب أمريكا
الليبراليون الجدد، فوجد كلٌّ منهم ضالته في كلام بوش.. ولو كانوا على
طرفي نقيض فكريا، لم يكونوا كذلك ممارسة.
فكان التحالف مع بوش كافيا للقاء الليبراليين الجدد مع الأنظمة غير
الليبرالية وغير الديمقراطية العربية الحليفة للحليف.. بل سأذهب إلى خريطة
الطريق.
ولماذا يأمل العرب جديدا في الشأن الفلسطيني من الرئيس الأمريكي ما
داموا قد وافقوا بحماس على خريطة الطريق التي طرحها بوش؟ وقد حوَّلوا هذه
الخريطة إلى مطلب وسقف تجري مطالبة إسرائيل بتنفيذه بعدما نفذ الفلسطينيون
حصتهم منه.
وظهر ذلك جليا إبان الحرب على غزة، عندما قمعت السلطة في الضفة ليس
فقط المقاومة، بل أيضا التضامن السلمي مع غزة. فهذا، في رأيهم، يؤهل
الفلسطينيين للمطالبة بأن تنفذ إسرائيل حصتها من الخريطة ما دامت فقراتها
الأولى المتعلقة بهدم البنى التحتية للإرهاب، إما نفذت أو قيد التنفيذ
الحثيث.
ولماذا يتوقع العرب جديدا من الرئيس الجديد ويهتفون لإصراره على دولة
فلسطينية وحل الدولتين ما دام بوش قد رأى (من رؤيا، والمقصود رؤيا بوش)
دولة فلسطينية قبل نهاية عهده؟ سبق أن تحمسوا لرؤيا بوش، ويتحمسون الآن
لرؤيا أوباما.
تغيرت أمريكا.. لا شك، كما تغيرت في عهد روزفلت وكيندي وريغان. أما المشكلة فهي تغيير عقل الأنظمة العربية السياسي.
صحيح أن هناك نبرة أمريكية جديدة تجاه إسرائيل تشبه نبرة اليسار
الصهيوني -وليس اليمين الصهيوني- بالتأكيد على «حقين لشعبين»، وتعتبر
الدولة اليهودية قيمة عليا، وترسم تكافؤا حيث لا تكافؤ.
حسنا.. نبرة جديدة إذن، ولكن حتى هذه النبرة الجديدة ناجمة ليس عن
تغيير في أمريكا فقط بل تغيير في إسرائيل أيضا، فهناك حكومة في إسرائيل
ترفض التعهد شفويا بتجميد الاستيطان كما فعلت الحكومة الإسرائيلية السابقة
لإدارة بوش، كما ترفض الالتزام الشفوي بمبدأ حل الدولتين كما فعلت الحكومة
السابقة في عهد أولمرت.. هذا هو الفرق.
وينجم رفض أوباما التعهد بالالتزام بورقة طمأنات بوش لشارون عن رفض
نتنياهو الالتزام «برؤيا بوش» المتعلقة بحل الدولتين. التغيير هو، أولا،
في النبرة الإسرائيلية نحو اليمين تبعه تغير في النبرة الأمريكية تجاه هذا
التغيير. وفي الشأن الفلسطيني، تحديدا، لا يوجد تغيير فعلي في الموقف
الأمريكي.
تغيرت النبرة لأن هناك حكومة إسرائيلية غيرت نبرتها وترفض الالتزام
بأسسٍ تمكِّن من العودة إلى ما يسمى «عملية السلام»، وهذا ما يمكن لأوباما
التعهد به فعلا للعرب عدا تغيير النبرة: الضغط على إسرائيل للعودة إلى
«عملية سلام».
فأمريكا وحلفاؤها العرب بحاجة إلى مثل هذه العملية السياسية الجارية
التي صارت تشكل موسيقى مرافقة دائمة، وأجواء لا بد منها في تصوير فيلم
الاعتدال العربي، مثل الموسيقى التي ترافق التغطية الصامتة للاستقبالات
والمناسبات في التلفزيونات الرسمية في الدول التي يزورها الرئيس الأمريكي
حاليا.
لا تكمن المشكلة في الاعتراف بحصول تغير في الولايات المتحدة، وهو
على كل حال لا ينشأ ولا يعبر عنه حتى في محاضرة أو زيارة، بل المشكلة في
غياب استراتيجية عربية.
ولذلك فحتى لو جرى تغيير، فما عدا الفرح بتغيّر النبرة والأجواء، ليس
بوسع العرب أن يحصدوا الكثير من هذا التغيير ما داموا يعيشون دون تحديد
للمصالح العربية ودون استراتيجية.