بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبة وسلم اجمعين
كل الموضوع سؤال بيطرح.
هل شهد القران بصحة الانجيل؟؟
وللاجابة على هذا السؤال.
من الشبه التي اعتاد النصارى تكرارها كثيراً وأوقعوا بسببها كثيرا من الجهال، القول بأن القرآن شهد بصحة أناجيلهم، وأنها كتب منزلة من عند الله سبحانه، واستشهدوا على قولهم هذا بآيات من القرآن، منها: أمر الله بالتحاكم إليه كما في قوله: { وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه } (المائدة:47)، ومنها: وصف القرآن للإنجيل بأنه كتاب هدى ونور وموعظة للمؤمنين، كما قال تعالى: { وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين } ( المائدة:46) ومنها: بيان القرآن أن العمل بالإنجيل سبب السعادة في الدنيا والآخرة، كما في قوله: { ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم } (المائدة:66)، ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل أمر الله نبيه محمداً أن يجعل الإنجيل مرجعاً له، كما في قوله: { فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك } (يونس:94) إلى غير ذلك من الآيات التي تصحح الإنجيل وتصدقه .
وهنا يثار سؤالان مهمان:
أولهما: هل يؤمن النصارى بالقرآن حتى يجوز لهم الاحتجاج به ؟ فإن كان الجواب لا، فكيف لهم إذاً أن يحتجوا بالقرآن وهم لا يؤمنون به، ولا يعتقدون صحته ! وهل احتجاج المرء بما يعتقده باطلاً إلا تقرير للباطل، وتصحيح له، ولا يمكن أن يقال: إن احتجاجهم بالقرآن شبيه باحتجاج المسلمين بالإنجيل على إبطال عقائد النصارى، لأن هناك فرقاً بين نظرة المسلم للإنجيل، ونظرة النصراني للقرآن، فنظرة النصراني قائمة على أن القرآن باطل مكذوب على الله سبحانه، في حين يرى المسلم أن الإنجيل الذي بأيدي النصارى قد اشتمل على روايات عن المسيح – عليه السلام -، وفيها الحق والباطل، فالمسلم يحتج بالحق الذي فيه ويترك الباطل .
والسؤال الثاني: هل يعتقد النصارى أن أوصاف الإنجيل في القرآن تنطبق على ما بأيديهم من أناجيل ؟ فإن كان الجواب: لا، فلا يجوز حينئذ الاحتجاج بالقرآن على صحة هذه الأناجيل لأنها تختلف عما زكاه القرآن وشهد له .
وإن كان الجواب: أن أوصاف الإنجيل في القرآن تتطابق مع أوصاف أناجيلهم، فيقال: إن هذا خلاف الواقع، فإن القرآن ذكر أوصافاً للإنجيلِ لا تتطابق مع أوصاف الأناجيل التي بأيدي النصارى، ويتضح ذلك من عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الله وصف الإنجيل في القرآن بأنه منزل من عنده، كما في قوله تعالى: { وأنزل التوراة والإنجيل } (آل عمران:3)، والنصارى لا يعتقدون ذلك، بل يعتقدون أن الإنجيل كتبه رجال الله بإلهام من الروح القدس .
الوجه الثاني: أن القرآن صرّح بأن البشارة بقدوم نبي الإسلام مكتوبة في الإنجيل، كما في قوله تعالى: { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل } (الأعراف: 157 )، والنصارى لا يعتقدون بوجود أي بشارة بنبي الإسلام في الإنجيل .
الوجه الثالث: أن القرآن ذكر أن في الإنجيل وصفاً لأصحاب النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - كما قوله تعالى: { ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار } (الفتح: 29)، ولا يعترف النصارى بوجود هذا الوصف في الإنجيل .
كل ذلك يجعلنا نجزم أن الإنجيل الذي عناه القرآن وأشاد به وأمر بالتحاكم إليه يختلف تماماً عمّا بأيدي النصارى اليوم، لأن من غير المعقول أن يشيد القرآن بإنجيل يختلف معه في عقائده الأساسية ويعزو إليه أموراً ليست فيه !!
وهنا يأتي السؤال المهم: ما هو الإنجيل الذي يتحدث عنه القرآن وأين هو ؟ والجواب أنه: إنجيل عيسى - عليه السلام - الذي أنزله الله عليه وفيه كلامه ومواعظه، وأما أين هو وأين مكانه ؟ فهذا أمر لا نعلمه، وقد فرّط النصارى في حفظ كتابهم فأضاعوه وبدلوه، وسجّل المؤرخون أن قسسهم وباباواتهم اختاروا أربعة أناجيل وهي: ( متى، مرقص، لوقا، يوحنا ) من بين العشرات من الأناجيل التي قضوا على أصحابها بالكفر والملاحقة والقتل والتعذيب .
فإن قالوا: إن الأناجيل التي بأيدينا اليوم هي نفس الأناجيل التي كانت موجودة زمن نزول القرآن، ولم تعرف النصارى غيرها ؟ فالجواب أن كون هذه الأناجيل موجودة زمن نزول القرآن لا يلزم ألا يكون غيرها موجوداً، وفي إنجيل برنابا أكبر الشواهد على ذلك، حيث إن ما فيه يوافق من حيث الجملة - ولا سيما في العقائد - ما جاء به القرآن، ففيه البشارة الصريحة بنبي الإسلام، ونفي ألوهية المسيح .
فإن اعترضوا بأن: هذا الإنجيل لا يصح تاريخياً، فالجواب أن: كل ما يمكن أن يقال في إنجيل برنابا يقال مثله في أناجيل " متى، ومرقص، ولوقا، ويوحنا"، والقول بأنه اكتشف حديثاً مردود، حيث ورد ذكره في منشور أصدره البابا "جلاسيوس الأول" في بيان الكتب التي تحرم قراءتها، فقد جاء من ضمنها إنجيل "برنابا"، وقد تولى "جلاسيوس" البابوية في أواخر القرن الخامس الميلادي أي قبل بعثة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - .
فظهر بذلك بطلان القول بأن القرآن صدق الإنجيل الذي بأيدي النصارى اليوم، واتضح من خلال هذه الشبهة كيف يمكن أن يستغل البعض جهل المسلمين بالقرآن لتسويق شبهاتهم وتمرير أباطيلهم .
الأمر الذي يوجب على المسلم أن يحرص أشد الحرص على التدقيق في كلامهم، وسؤال أهل العلم فيما يعرض له - ولا سيما في مجال العقائد – حتى يحفظ دينه، ويسلم قلبه من أذى الشبهات وتأثيرها .