البوابة الفرعية
لماذا ينتحر المبدعون ؟ ؟ ؟
هل يرتبط الإبداع بهوية المبدع و شخصه و طموحه فى البحث عن الأفضل و الأجمل ؟ وهل يرتبط الإبداع بالمعاناة النفسية للأديب ؟أحقا المبدع الحقيقي غير راض دائما عن الواقع؟ و لأنه يتمتع بحس مرهف تصطدم المشاعر بالواقع فيعانى توحشه وتخلفه وقيوده ،هل المبدعون هم أكثر البشرية توترا و أنفعالية ؟ دائما فى حالة إبداع لخلق عالم خاص بهم و مغاير للعالم الواقعي فما هوهدفهم؟ حاله دمج الواقع المفروض فى مولد القصة أو الرواية أو المسرحية و الشعر و الموسيقى و البحث الفكري و غيرها من الإبداعات.. لكن لابد من وقوع الأزمة و هي الصراع الدائم بين ذاته المرهفة و بين الواقع الحقيقي من هنا تبدأ أمراض المبدعين أولها تعاسة تمر بالأكتئاب و القلق و الفصام و تنتهي بالهوس هذا هو السهل أما المرارة حقا فهي الأصطدام حتى الأنتحار . . .
فى عام 1997 أنتحرت الكاتبه " أروى صالح " ألقت بنفسها من الطابق الحادي عشر و عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية لبنان فى الثمانينات أطلق الشاعر " خليل حاوي " الرصاص على نفسه ، وفى القليوبية قيل أن شاعر وضع جميع كتبه فى كومه كبيرة و ألقى بالكيروسين ووقف بها و أشعل النار حينما سمع بزيارة السادات للقدس وهناك" نبيه الصعيدى" أديب الشرقية الذى أغلق باب منزله وظل يدخن بلا طعام حتى الموت وكذلك رجاء عليش الذى فجر شقته بأنبوبة بوتجاز وهو داخلها أما عن الأمراض النفسية فحدث ولاحرج والكل يذكر ماحدث للأستاذ يوسف إدريس ومحمود دياب ونجيب سرور أما الاكتئاب فقد كان ملازما للكاتب صلاح جاهين بل أن كلمة واحدة من فنان كاريكاتير تسببت فى قتل صلاح عبد الصبور كما نجد على الصعيد العالمى أسماء عديدة من المبدعين عانت الأمراض النفسية مثل "سلفادور دالى " الذى أنهى حياته بالعزلة و الأكتئاب حتى الموت بعد وفاة زوجته ،و أيضا "فان جوخ "الذى قطع أذنه إرضاء لحبيبته ثم مات بعدها بفترة وجيزة متأثرا بمرضه النفسى ولا ننسى "دستوفسكى "الذى عانى من الصرع ووصف فى أعماله ذلك بإتقان و "كافكا ، وتولستوى ، وألبير كامى " كل هذة الحالات تثير العديد من الأسئلة ؟ ؟ أعتقد أنه لا يوجد أديب سوى تماما لأن الواقع مختل ، فمن ينسحبون من الحياه أو ينتحرون ليسوا مرضى ،بل هم يحاولون تحقيق ذواتهم بطرق مختلفه لأنهم يعتقدون أن الإبداع مسألة ذاتية فينعزلون عن المجتمع و بالتالى فإن العزلة تفقدهم المقاومة الداخلية و سرعان ما يشعرون بالمرارة و الرغبة فى الهرب بطريقة ما قد يكون الأنتحار أشدها مأساوية و أعتقد أن سبب العزلة هو عدم وجود حركة ثقافية فعالة يشترك فيها جموع الكتاب فيناضلون من أجل حرية التعبير الذى قد يكون حماية للكاتب . . و الملفت للنظر فى القضية أن الرومانسيون ينتحرون لأن طبيعتهم المتمردة على الواقع المأساوي الذي يهدفون لتغييره. . فإن عجزوا عن ذلك أو عن التكيف مع الوضع القائم كان اليأس و الرغبة فى الأنتحار طريقهم بل يعتقدون أن الموت مدخل للسعادة الأبدية من هؤلاء الشاعر المصري محمد عبد المعطى الهمشرى و الانجليزى كيتس ،على العكس من الشعراء الواقعيين الذين يؤمنون بالدفاع عن الحياة ،لأن لهم قضيه و رسالة و منهم أدباء المقاومة الذين يرون الأنتحار هربا ومن أشهر المبدعين المصريين الذين حاولوا الأنتحار يأتي القاص والروائي "إدريس على"فى المرتبة الأولى حيث بدأ أولى محاولاتة فى أواخر الخمسينيات عند فشل فى دراستة الأزهرية ثم فى الستينات عندما كان مجندا سلاح الحدود و حاول أطلاق الرصاص على نفسة ثم حاول الأنتحار بوضع عقرب على شريانة ،و بعدها تناول مادة و أخرى بالغرق فى النيل و يصف إدريس على نفسه بأنه كائن رافض لفكرة الحياة لأنه لا يجد لها مبررا و يجد أن مشاكلها أكبر من أمكانيات حلها . . و يتسأل عن النهاية عن سبب أندهاش الناس من محاولاته للإنتحار أنها رؤية الكثيرين غيره ممن لا يرون مبررا للحياة ومنهم العقاد و يعطى شاعر العامية "سعدنى السلامونى "مثلا حيا على علاقة التوتر النفسي بالإبداع ، فبعد أن كان يعمل نجارا للسواقي و يحفظ بعض أشعار العديد من جدته "المعددة "و فجأة منذ بضع سنوات يتعلم القراءة و الكتابة و تبرز موهبتة فى كتابه الشعر فيصبح من فئه المبدعين و يؤكد سعدنى مرارا و تكرارا أنه رغم كونه من أسرة فقيرة كان راضيا مطمئنا حين كان فى القرية و لا يجيد القراءة ،أما بعد أن يحضر الى القاهرة منذ ثلاث سنوات و صارأحد المشردين فى شوارعها على حد قولة "أصبحت تنتابه فكرة الأنتحار بعد أن فقد البراءة و الراحة الى الأبد و يختتم كلامه قائلا : يا ليتني ظللت كما أنا وما أصبحت من المثقفين . . لكننى أعتقد أن الأديب و خاصة أستاذى العزيز يجد فى أدبه و أبداعه حماية من الأكتئاب و الأختناق و يجد فيه الزهد و الأستغناء عن هواجس العالم الخارجي و الأحتماء بالذات و التشرنق حولها ملاذا للانتصار على الواقع . . .
