الطفيل ين عمرو الدوسي
الطفيل بن عمرو الدوسي سيد قبيلة دوس في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب المرموقين ، وواحد من أصحاب المروءات المعدودين .
كان شاعراً مرهف الحس ، رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر. غادر الطفيل منازل قومه في تهامة متوجها إلى مكة ، ورحى الصراع دائرة بين الرسول الكريم صلوات الله عليه وكفار قريش ، كل يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ، ويجتذب لحزبه الأعوان فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لربه وسلاحه الإيمان والحق .
ومن هنا كانت للطفيل ابن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى حدث الطفيل قال :
قدمت مكة ، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيب ، أنزلوني فيهم أعز منزل ، ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا :
يا طفيل ، إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعماتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعن منه شيئا ، فإن له قولا كالسحر : يفرق بين الولد وأبيه وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها .
قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره ، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئا .
ولما غدوت على المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج وإياها نعظم ، حشوت في أذني قطنا خوفا من أن يلامس سمعي شيء من قول محمد . لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا ، ويتعبد عبادة غير عبادتنا ، فأسرني مظهره ، وبهرتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلاما حسنا ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ، إنك لرجل لبيب شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، قال الطفيل : ثم مكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي عنك كذا وكذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا اسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسنا ، فاعرض علي أمرك ، فعرض علي أمره ، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما سمعت قولا أحسن من قوله ، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره ، عند ذلك بسطت يدي له ، وشهدت ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ودخلت في الإسلام .
قال الطفيل : ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يا رسول الله ، إني امرؤ مطاع في عشيرتي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية.
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم وقع نور فيما بين عيني مثل المصباح ،
فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها عقوبة وقعت في وجهي لمفارقة دينهم ، فتحول النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الناس يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأن أهبط إليهم من العقبة فلما نزلت ، أتاني أبي و كان شيخا كبيرا فقلت . إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني .
قا ل: ولم يا بني ؟! ، قلت : لقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : أي بني ديني دينك ، فقلت : اذهب و اغتسل و طهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت ، فذهب و اغتسل و طهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم . ثم جاءت زوجتي ، فقلت : إليك عني فلست منك و لست مني قالت : ولم !! بأبي أنت و أمي ، فقلت : فرق بيني و بينك الإسلام ، فقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت: فديني دينك ، قلت : فاذهبي و تطهر من ماء ذي شرى وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل فقالت : بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى ؟! فقلت : تبا لك و لذي الشرى قلت لك : اذهبي و اغتسلي هناك بعيدا عن الناس ، و أنا ضامن لك ألا يفعل هذا الحجر الأصم شيئا ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا فأبطؤوا علي إلا أبا هريرة فقد كان أسرع الناس إسلاما .
قال الطفيل : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ومعي أبو هريرة فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام : ما وراءك يا طفيل ؟ فقلت : قلوب عليها أكنة وكفر شديد ، لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء ،
فقال أبو هريرة : فلما رأيته كذلك خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا ، فقلت : واقوماه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول : اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا ، ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .
قال الطفيل : فلم أزل بأرض دوس ادعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ثمانون بيتا من دوس أسلموا وحسن اسلامهم فسر بنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا : يا رسول الله : اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها واجعل شعارنا : (مبرور).
ولما آلت الخلافة من بعده إلى صاحبه الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ، ومعه ابنه عمرو. وفيما هو في طريقه إلى اليمامة رأى رؤيا ، فقال لأصحابه :
إني رأيت رؤيا فعبروها لي ؟ فقالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت رأسي قد حلق ، وأن طائرا خرج من فمي ، وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وان ابني عمرا جعل يطلبني حثيثا لكنه حيل بيني وبينه ، فقالوا : خيرا
فقال : أما أنا والله فقد أولتها : أما حلق رأسي فذالك أنه يقطع ، واما الطائر الذي خرج من فمي فهو روحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها فهي الأرض تحفر لي فأدفن في جوفها وإني لأرجو أن أقتل شهيدا . واما طلب ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها إذا أذن الله لكنه يدركها فيما بعد . وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي اعظم البلاء ، حتى خر صريعا شهيدا على أرض المعركة . واما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت كفه اليمنى فعاد إلى المدينة مخلفا على أرض اليمامة أباه ويده.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، دخل عليه عمرو بن الطفيل ، فاتي للفاروق بطعام ، والناس جلوس عنده ، فدعا القوم إلى طعامه ، فتنحى عمرو عنه ، فقال له الفاروق : مالك ؟! لعلك تأخرت عن الطعام خجلا من يدك، قال : أجل يا أمير المؤمنين . قال : والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعة ، والله ما في القوم أحد بعضه في الجنة إلا أنت ، يريد بذلك يده .
ظل حلم الشهادة يلوح لعمرو منذ فارق أباه فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المبادرين وما زال يقاتل حتى ادرك الشهادة التي مناه بها أبوه . رحم الله الطفيل بن عمرو الدوسي ، فهو الشهيد وأبو الشهيد .
بقلم أبو عبدالرحمن التلي جزاه الله خيراً
الطفيل بن عمرو الدوسي سيد قبيلة دوس في الجاهلية ، وشريف من أشراف العرب المرموقين ، وواحد من أصحاب المروءات المعدودين .
كان شاعراً مرهف الحس ، رقيق الشعور بصير بحلو البيان ومره حيث تفعل فيه الكلمة فعل السحر. غادر الطفيل منازل قومه في تهامة متوجها إلى مكة ، ورحى الصراع دائرة بين الرسول الكريم صلوات الله عليه وكفار قريش ، كل يريد أن يكسب لنفسه الأنصار ، ويجتذب لحزبه الأعوان فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعو لربه وسلاحه الإيمان والحق .
ومن هنا كانت للطفيل ابن عمرو الدوسي مع هذا الصراع حكاية لا تنسى حدث الطفيل قال :
قدمت مكة ، فما إن رآني سادة قريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيب ، أنزلوني فيهم أعز منزل ، ثم اجتمع إلي سادتهم وكبراؤهم وقالوا :
يا طفيل ، إنك قد قدمت بلادنا ، وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد أفسد أمرنا ومزق شملنا ، وشتت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يحل بك وبزعماتك في قومك ما قد حل بنا ، فلا تكلم الرجل ، ولا تسمعن منه شيئا ، فإن له قولا كالسحر : يفرق بين الولد وأبيه وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها .
قال الطفيل : فوالله ما زالوا بي يقصون علي من غرائب أخباره ، ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله ، حتى أجمعت أمري على ألا أقترب منه وألا أكلمه أو أسمع منه شيئا .
ولما غدوت على المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحج وإياها نعظم ، حشوت في أذني قطنا خوفا من أن يلامس سمعي شيء من قول محمد . لكني ما إن دخلت المسجد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة غير صلاتنا ، ويتعبد عبادة غير عبادتنا ، فأسرني مظهره ، وبهرتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه وأبى الله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلاما حسنا ، وقلت في نفسي : ثكلتك أمك يا طفيل ، إنك لرجل لبيب شاعر ، وما يخفى عليك الحسن من القبيح ، فما يمنعك أن تسمع من الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ، وإن كان قبيحا تركته ، قال الطفيل : ثم مكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه ، فقلت : يا محمد ، إن قومك قد قالوا لي عنك كذا وكذا وكذا ، فوالله ما برحوا يخوفونني من أمرك حتى سددت أذني بقطن لئلا اسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسنا ، فاعرض علي أمرك ، فعرض علي أمره ، وقرأ لي سورة الإخلاص والفلق ، فوالله ما سمعت قولا أحسن من قوله ، ولا رأيت أمرا أعدل من أمره ، عند ذلك بسطت يدي له ، وشهدت ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، ودخلت في الإسلام .
قال الطفيل : ثم أقمت في مكة زمنا تعلمت فيه أمور الإسلام وحفظت فيه ما تيسر لي من القرآن ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قلت : يا رسول الله ، إني امرؤ مطاع في عشيرتي ، وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا فيما أدعوهم إليه فقال : اللهم اجعل له آية.
فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضع مشرف على منازلهم وقع نور فيما بين عيني مثل المصباح ،
فقلت : اللهم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظنوا أنها عقوبة وقعت في وجهي لمفارقة دينهم ، فتحول النور فوقع في رأس سوطي ، فجعل الناس يتراؤون ذلك النور في سوطي كالقنديل المعلق ، وأن أهبط إليهم من العقبة فلما نزلت ، أتاني أبي و كان شيخا كبيرا فقلت . إليك عني يا أبت ، فلست منك ولست مني .
قا ل: ولم يا بني ؟! ، قلت : لقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قال : أي بني ديني دينك ، فقلت : اذهب و اغتسل و طهر ثيابك ، ثم تعال حتى أعلمك ما علمت ، فذهب و اغتسل و طهر ثيابه ، ثم جاء فعرضت عليه الإسلام فأسلم . ثم جاءت زوجتي ، فقلت : إليك عني فلست منك و لست مني قالت : ولم !! بأبي أنت و أمي ، فقلت : فرق بيني و بينك الإسلام ، فقد أسلمت و تابعت دين محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت: فديني دينك ، قلت : فاذهبي و تطهر من ماء ذي شرى وذو الشرى صنم لدوس حوله ماء يهبط من الجبل فقالت : بأبي أنت وأمي ، أتخشى على الصبية شيئا من ذي الشرى ؟! فقلت : تبا لك و لذي الشرى قلت لك : اذهبي و اغتسلي هناك بعيدا عن الناس ، و أنا ضامن لك ألا يفعل هذا الحجر الأصم شيئا ، فذهبت فاغتسلت ، ثم جاءت فعرضت عليها الإسلام فأسلمت . ثم دعوت دوسا فأبطؤوا علي إلا أبا هريرة فقد كان أسرع الناس إسلاما .
قال الطفيل : فجئت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة ، ومعي أبو هريرة فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام : ما وراءك يا طفيل ؟ فقلت : قلوب عليها أكنة وكفر شديد ، لقد غلب على دوس الفسوق والعصيان ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلى ورفع يده إلى السماء ،
فقال أبو هريرة : فلما رأيته كذلك خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا ، فقلت : واقوماه لكن الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول : اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا .. اللهم اهد دوسا ، ثم التفت إلى الطفيل وقال : ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعهم إلى الإسلام .
قال الطفيل : فلم أزل بأرض دوس ادعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، ومضت بدر وأحد والخندق ، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم ومعي ثمانون بيتا من دوس أسلموا وحسن اسلامهم فسر بنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأسهم لنا مع المسلمين من غنائم خيبر فقلنا : يا رسول الله : اجعلنا ميمنتك في كل غزوة تغزوها واجعل شعارنا : (مبرور).
ولما آلت الخلافة من بعده إلى صاحبه الصديق وضع الطفيل نفسه وسيفه وولده في طاعة خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما نشبت حروب الردة نفر الطفيل في طليعة جيش المسلمين لحرب مسيلمة الكذاب ، ومعه ابنه عمرو. وفيما هو في طريقه إلى اليمامة رأى رؤيا ، فقال لأصحابه :
إني رأيت رؤيا فعبروها لي ؟ فقالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت رأسي قد حلق ، وأن طائرا خرج من فمي ، وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وان ابني عمرا جعل يطلبني حثيثا لكنه حيل بيني وبينه ، فقالوا : خيرا
فقال : أما أنا والله فقد أولتها : أما حلق رأسي فذالك أنه يقطع ، واما الطائر الذي خرج من فمي فهو روحي ، وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها فهي الأرض تحفر لي فأدفن في جوفها وإني لأرجو أن أقتل شهيدا . واما طلب ابني لي فهو يعني أنه يطلب الشهادة التي سأحظى بها إذا أذن الله لكنه يدركها فيما بعد . وفي معركة اليمامة أبلى الصحابي الجليل الطفيل بن عمرو الدوسي اعظم البلاء ، حتى خر صريعا شهيدا على أرض المعركة . واما ابنه عمرو فما زال يقاتل حتى أثخنته الجراح وقطعت كفه اليمنى فعاد إلى المدينة مخلفا على أرض اليمامة أباه ويده.
وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، دخل عليه عمرو بن الطفيل ، فاتي للفاروق بطعام ، والناس جلوس عنده ، فدعا القوم إلى طعامه ، فتنحى عمرو عنه ، فقال له الفاروق : مالك ؟! لعلك تأخرت عن الطعام خجلا من يدك، قال : أجل يا أمير المؤمنين . قال : والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلطه بيدك المقطوعة ، والله ما في القوم أحد بعضه في الجنة إلا أنت ، يريد بذلك يده .
ظل حلم الشهادة يلوح لعمرو منذ فارق أباه فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المبادرين وما زال يقاتل حتى ادرك الشهادة التي مناه بها أبوه . رحم الله الطفيل بن عمرو الدوسي ، فهو الشهيد وأبو الشهيد .
بقلم أبو عبدالرحمن التلي جزاه الله خيراً