[b]لقد
تم تخصيص هذه المقالة لوصف حروب رمسيس الثاني وبالذات معركة قادش لما كان
لها من انعكاسات على وضع بني إسرائيل في مصر. إذ فور أن عاد رمسيس الثاني
من هذه المعركة حتى بدأت حملة ضاربة من التعذيب والتنكيل ببني إسرائيل
بلغت مداها بإصدار أوامر بذبح المواليد الذكور وترك البنات، والذي أشار
إليه القرآن الكريم:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي
ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49] .
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ
بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [إبراهيم: 6] .
وقد سبق أن ذكرنا أن ذلك التسخير هو أحد الأشياء التي يجب أن تتوافر
في فرعون موسى واستبعدنا عدداً من النظريات لعدم توافر هذا الشرط وسنرى
الآن أن رمسيس الثاني كان تقريباً الفرعون الوحيد الذي توافر لديه دافع
قوي لإنزال هذا التعذيب الشديد ببني إسرائيل.
وذكرنا أن سياسة أخناتون أفقدت مصر إمبراطوريتها التي أسسها تحتمس الأول
وتحتمس الثالث، ولما تولى حورمحب الحكم أعاد الانضباط إلى الإدارة
الحكومية، وبدأت الأسرة التاسعة عشرة برمسيس الأول ثم خلفه سيتي الأول
واعتبر الشعب توليه الحكم بداية عهد جديد ومن ثم أطلق عليه لقب ( مجدد
الميلاد) وقاد حملات مظفرة في فلسطين والشام، ومن ثم بدأ الاحتكام بين مصر
والحثيين في آسيا الصغرى الذين كانوا قد استولوا على شمال سوريا. ودارت
معارك كان النصر فيها حليف سيتي الأول وعقد مع ملكهم معاهدة ودية، كما حمى
مصر من غارات الليبيين في الغرب وعندما تولى رمسيس الثاني الحكم قام ملك
خيتا بزيارة لمصر، ولا يُعرف السبب الحقيقي الذي كان وراء هذه الزيارة، هل
هو تأكيد المعاهدة الودية التي أبرمها سيتي الأول معهم، أم هي لسبر غور
الفرعون الجديد ومعرفة نواياه تجاههم، المهم أن الأموريين ( في شمال
العراق ) قاموا بثورة ونقضوا ولاءهم لمملكة خيتا ( الحثيين) وولوا وجوههم
شطر مصر لمعاونتهم، وتوترت العلاقات بين مصر وخيتا. وكان رمسيس الثاني
يطمع في إعادة الإمبراطورية المصرية كما كانت في عهد تحتمس الثالث ومن ثم
فقد قاد في السنة الرابعة من حكمه حملة لإخضاع الساحل الفينيقي ليتخذه
قاعدة لتوسعاته المقبلة ووصل إلى نهر الكلب على مقربة من بيروت، ونقش على
صخرة هناك ما يدل على وصوله إلى هذا المكان، وكان في هذا نقض للمعاهدة
التي كانت معقودة بين سيتي الأول والده وملك خيتا، وأضمر رمسيس الثاني
متابعة التوسع شمالاً، وفي العام التالي – أي العام الخامس من حكمه قاد
حملة ثانية وهي الحملة التي وقعت فيها معركة قادش الشهيرة وكان ملك خيتا
من جانبه قد توجس خيفة من رمسيس الثاني ولعله علم نواياه فاستعد لذلك وأعد
جيشاً قوياً انخرط في سلكه كثير من المرتزقة، كما استمال إله أمراء الشام
حتى لا يقوموا بطعنه من الخلف أثناء حربه مع المصريين.
معركة قادش:
وصف المعركة ( نقلاً بتصرّف عن كتاب فرعون المنتصر. كتشن، ص 53):
في يوم ربيع دافئ في أواخر شهر أبريل من عام 1287 ق.م كان هناك هرج ومرج
في مدينة بررعمسيس، فكتائب المشاة تتجمع وفرق العربات الحربية كانت تثير
الغبار فيما قوادها يختبرون حماس خيولها المتحفزة، وفتحت مخازن المهمات
الحربية لتأخذ كل سرية حاجتها من الدروع والسيوف والخناجر، وتجمع في الأرض
الواسعة حول المدينة جيش كبير قوامه عشرون ألف مقاتل مقسمين إلى أربعة
فيالق، كل منها باسم أحد الأرباب المصريين الكبار، وقد اختبر أفراد كل
فيلق من مكان عبادة هذه الآلهة، فمن طيبة جاء فيلق آمون، ومن منف ومصر
الوسطى جاء فيلق (بتاح) ومن عين شمس جنّد فيلق ( رع) ومن بررعمسيس اختير
فيلق (ست) كذلك تخير رمسيس الثاني مجموعة من صفوة الشبان الشجعان وسماهم (
فريق الفتوة ) وأمرهم بالتزام خط الساحل واللحاق به عند قادش وحماية ظهر
قواته عند الحاجة ويمكن تشبيههم بفرقة صاعقة.
وسار الجيش يقوده رمسيس الثاني بنفسه على رأس فيلق آمون تتبعه الفيالق الثلاث الأخرى، وكما هو مكتوب من وصف المعركة على المعابد:
(بدأ جلالته في السير في السنة الخامسة من حكمه الشهر الثاني من الصيف،
اليوم التاسع، وعبر جلالته الحدود عند Sile سيلة، وبدأ قوياً مثل ( منتو)
وكانت البلاد الأجنبية ترتجف أمامه، يأتي رؤساؤها بجزاهم، والعصاة خمدوا
في أماكنهم خوفاً من قوة جلالته ومر الجيش بغزة وبسرعة عبر أرض كنعان ثم
الجليل الأعلى فبحيرة الحولة حيث ينبع نهر الأردن، ثم تابع السير شمالاً
في سهل البقاع بين جبال لبنان الشرقية والجبال الغربية وكما كتب عنها:
وكانت الجيوش تسير بسهولة كأنها تسير في شوارع مصر ومر على إحدى الحاميات
المصرية في وادي الأرز ببلدة كوميدى – المركز الإداري لمقاطعة أوبي ( Upi
) في جنوب سوريا – وكان قد مضى على خروجه من مصر شهر بالتمام، وسار
مخترقاً غابة اللبوة حتى بلغ بلدة شابتوتا ( ربلة الحالية ) على نهر
الأورنت (نهر العاصي ) وعسكر على ربوة تشرف على الوادي الفسيح التي تقع
مدينة قادش في شماله على مسيرة يوم واحد.
وبعد وصوله هناك دخل معكسره اثنان من الشاسو ( البدو) وادّعيا أنهما
يتكلمان باسم إخوانهم رؤساء قبائل البدو وأنهم يعرضون الولاء والتحالف مع
مصر بدلاً من الاستعباد الحثي، وأسلمها لرجاله فاستجوبوهما عن مكان جيوش
الحثيين فأخبراهم أن حاكم خاتى ما إن سمع بمقدم فرعون حتى ارتعد وتقهقر
بجيوشه إلى ما حول حلب في الشمال.
وكان هذا النبأ مفرحاً للفرعون ولاعتقاده الشديد في قوة جيشه فقد صدّقه
على الفور، ومع أن هذه الأخبار كانت مبهجة أكثر من اللازم بحيث تدعو إلى
الارتياب في صحتها وكان الواجب التحقق منها بإرسال العيون وفرق الكشافة،
إلا أن رمسيس الثاني وقد ملأه الزهو بنفسه فإنه صدقها، وأسرع على رأس فيلق
أمون يعبر مخاضة نهر العاصي إلى السهل الذي تقع في شماله مدينة قادش.
قادش: تقع قادش على الضفة الغربية لنهر العاصي جنوب بحيرة حمص بعدة
كيلومترات وهناك رافد لنهر العاصي يجر في الشمال الغربي منها، وكان هذا من
أسباب منعتها إذ بشق قناة تصل بين النهرين تصبح قادش وكأنها جزيرة يصعب
اقتحامها ومن ثم فإن من يستولي عليها يمكنه التحكم في كل شمال سوريا.
قلنا إن رمسيس الثاني عبر نهر العاصي ثم سار إلى مرتفع شمال غربي قادش
وأقام معسكره هناك في انتظار وصول باقي فيالق الجيش ليتابع السير في أثر
جيش خيتا الذي كان يظن أنه في الشمال حسب ما أخبره الجاسوسان وهنا نزلت
عليه صاعقة من السماء الصافية التي كان يحلق فيها، فقد وقع في أيدي فرق
استطلاعه جنديان من جيش العدو كانا في مهمة لاستكشاف موقع جيش المصريين
وعدده، وبالضرب استخلصوا منهما الحقيقة وهو أن جيش الحثيين في مكان شرقي
قادش وهو في طريقه ليعبر نهر العاصي وأن الجاسوسيين الأولين كانا خدعة من
ملك خيتا، وأدرك رمسيس الثاني هول الكارثة المتوقعة، وراح يوبخ ضباطه على
إهمال فرق الاستطلاع وبسرعة أعاد ترتيب الفيلق الذي يرأسه استعداداً لهجوم
العدو، كما أرسل الرسل على عجل إلى فيلق بتاح وسوتخ ليسرعا السير، وفي هذه
الأثناء كان نصف الجيش الحيثي قد عبر مخاضة نهر العاصي وهاجم فيلق رع
بينما الجنود يسيرون في استرخاء غير متوقعين القتال، وتشتت الفيلق ودمر
تماماً، ثم تابع جيش خيتا تقدمه حتى أصبح في مواجهة فيلق آمون، وبدأ في
مهاجمته ورأى جنود فيلق آمون بقايا الجنود من فيلق رع يجرون مذعورين
تتبعهم عاصفة التراب التي تثيرها عربات العدو وهي تلاحقهم فدب الذعر في
قلوبهم ولم يدروا ماذا يفعلون حتى أحاط جنود العدو بهم، ثم اندفعت فرقة من
جنود العدو تهاجم الجناح الغربي من الفيلق وهنا أظهر رمسيس الثاني شجاعة
فائقة إذا اندفع على عربته وقاتل الفرقة المهاجمة بشراسة اليائس والغاضب
من تخاذل قواته ويطوف بذهنه شبح الهزيمة فيعطيه قوة مضاعفة على القتال
وبهت ضباط الفرقة المهاجمة من هذه الشجاعة وقدروا أن كل جنوده سيحاربون
مثله فضعفت عزيمتهم وارتبكوا، وفي نفس هذه اللحظة كان فريق الفتوة قد وصل
من الغرب وبدأ في مهاجمة العدو من الخلف وظن الحثيين أن فريق الفتوة قد
وصل من الغرب وبدأ في مهاجمة العدو من الخلف وظن الحيثيون أن فريق الفتوة
هذا مقدمة جيش كبير فتخاذلوا في القتال كما أن الغبار الذي كان يثيره فيلق
( بتاح ) بدأ يظهر في الأفق من ناحية الجنوب، وشدد رمسيس الثاني عليهم
القتال ففروا هاربين عبر النهر يلقون أنفسهم فيه طلباً للنجاة وكان من بين
من ألقوا بأنفسهم فيه أمير حلب الذي لم يكن يحسن السباحة فابتلع كمية
كبيرة من المياه وتم إنقاذه، وهناك رسم يصور جندوه وقد أمسكوه من رجليه
مقلوباً لإفراغ ما في جوفه من مياه.
ووصل فيلق (بتاح ) أرض المعركة وبدأ يشترك في المطاردة وفي جمع الأسرى،
وذهل ملك خيتا لما آلت إليه نتيجة المعركة مع أن جزءاً كبيراً من جيشه كان
لا يزال في الشرق ولم يشترك في المعركة ولو تقدم واشترك فيها لكان النصر
حليفه ولكن ملك خيتا ارتد بباقي جيشه لما رأى فرار جنوده وأرسل يطلب وقف
القتال والصلح وكان التعب قد حل بجيش رمسيس أيضاً فقبل الصلح.
تم تخصيص هذه المقالة لوصف حروب رمسيس الثاني وبالذات معركة قادش لما كان
لها من انعكاسات على وضع بني إسرائيل في مصر. إذ فور أن عاد رمسيس الثاني
من هذه المعركة حتى بدأت حملة ضاربة من التعذيب والتنكيل ببني إسرائيل
بلغت مداها بإصدار أوامر بذبح المواليد الذكور وترك البنات، والذي أشار
إليه القرآن الكريم:
{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ
الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي
ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [البقرة: 49] .
{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ
إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ
وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ
بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ } [إبراهيم: 6] .
وقد سبق أن ذكرنا أن ذلك التسخير هو أحد الأشياء التي يجب أن تتوافر
في فرعون موسى واستبعدنا عدداً من النظريات لعدم توافر هذا الشرط وسنرى
الآن أن رمسيس الثاني كان تقريباً الفرعون الوحيد الذي توافر لديه دافع
قوي لإنزال هذا التعذيب الشديد ببني إسرائيل.
وذكرنا أن سياسة أخناتون أفقدت مصر إمبراطوريتها التي أسسها تحتمس الأول
وتحتمس الثالث، ولما تولى حورمحب الحكم أعاد الانضباط إلى الإدارة
الحكومية، وبدأت الأسرة التاسعة عشرة برمسيس الأول ثم خلفه سيتي الأول
واعتبر الشعب توليه الحكم بداية عهد جديد ومن ثم أطلق عليه لقب ( مجدد
الميلاد) وقاد حملات مظفرة في فلسطين والشام، ومن ثم بدأ الاحتكام بين مصر
والحثيين في آسيا الصغرى الذين كانوا قد استولوا على شمال سوريا. ودارت
معارك كان النصر فيها حليف سيتي الأول وعقد مع ملكهم معاهدة ودية، كما حمى
مصر من غارات الليبيين في الغرب وعندما تولى رمسيس الثاني الحكم قام ملك
خيتا بزيارة لمصر، ولا يُعرف السبب الحقيقي الذي كان وراء هذه الزيارة، هل
هو تأكيد المعاهدة الودية التي أبرمها سيتي الأول معهم، أم هي لسبر غور
الفرعون الجديد ومعرفة نواياه تجاههم، المهم أن الأموريين ( في شمال
العراق ) قاموا بثورة ونقضوا ولاءهم لمملكة خيتا ( الحثيين) وولوا وجوههم
شطر مصر لمعاونتهم، وتوترت العلاقات بين مصر وخيتا. وكان رمسيس الثاني
يطمع في إعادة الإمبراطورية المصرية كما كانت في عهد تحتمس الثالث ومن ثم
فقد قاد في السنة الرابعة من حكمه حملة لإخضاع الساحل الفينيقي ليتخذه
قاعدة لتوسعاته المقبلة ووصل إلى نهر الكلب على مقربة من بيروت، ونقش على
صخرة هناك ما يدل على وصوله إلى هذا المكان، وكان في هذا نقض للمعاهدة
التي كانت معقودة بين سيتي الأول والده وملك خيتا، وأضمر رمسيس الثاني
متابعة التوسع شمالاً، وفي العام التالي – أي العام الخامس من حكمه قاد
حملة ثانية وهي الحملة التي وقعت فيها معركة قادش الشهيرة وكان ملك خيتا
من جانبه قد توجس خيفة من رمسيس الثاني ولعله علم نواياه فاستعد لذلك وأعد
جيشاً قوياً انخرط في سلكه كثير من المرتزقة، كما استمال إله أمراء الشام
حتى لا يقوموا بطعنه من الخلف أثناء حربه مع المصريين.
معركة قادش:
وصف المعركة ( نقلاً بتصرّف عن كتاب فرعون المنتصر. كتشن، ص 53):
في يوم ربيع دافئ في أواخر شهر أبريل من عام 1287 ق.م كان هناك هرج ومرج
في مدينة بررعمسيس، فكتائب المشاة تتجمع وفرق العربات الحربية كانت تثير
الغبار فيما قوادها يختبرون حماس خيولها المتحفزة، وفتحت مخازن المهمات
الحربية لتأخذ كل سرية حاجتها من الدروع والسيوف والخناجر، وتجمع في الأرض
الواسعة حول المدينة جيش كبير قوامه عشرون ألف مقاتل مقسمين إلى أربعة
فيالق، كل منها باسم أحد الأرباب المصريين الكبار، وقد اختبر أفراد كل
فيلق من مكان عبادة هذه الآلهة، فمن طيبة جاء فيلق آمون، ومن منف ومصر
الوسطى جاء فيلق (بتاح) ومن عين شمس جنّد فيلق ( رع) ومن بررعمسيس اختير
فيلق (ست) كذلك تخير رمسيس الثاني مجموعة من صفوة الشبان الشجعان وسماهم (
فريق الفتوة ) وأمرهم بالتزام خط الساحل واللحاق به عند قادش وحماية ظهر
قواته عند الحاجة ويمكن تشبيههم بفرقة صاعقة.
وسار الجيش يقوده رمسيس الثاني بنفسه على رأس فيلق آمون تتبعه الفيالق الثلاث الأخرى، وكما هو مكتوب من وصف المعركة على المعابد:
(بدأ جلالته في السير في السنة الخامسة من حكمه الشهر الثاني من الصيف،
اليوم التاسع، وعبر جلالته الحدود عند Sile سيلة، وبدأ قوياً مثل ( منتو)
وكانت البلاد الأجنبية ترتجف أمامه، يأتي رؤساؤها بجزاهم، والعصاة خمدوا
في أماكنهم خوفاً من قوة جلالته ومر الجيش بغزة وبسرعة عبر أرض كنعان ثم
الجليل الأعلى فبحيرة الحولة حيث ينبع نهر الأردن، ثم تابع السير شمالاً
في سهل البقاع بين جبال لبنان الشرقية والجبال الغربية وكما كتب عنها:
وكانت الجيوش تسير بسهولة كأنها تسير في شوارع مصر ومر على إحدى الحاميات
المصرية في وادي الأرز ببلدة كوميدى – المركز الإداري لمقاطعة أوبي ( Upi
) في جنوب سوريا – وكان قد مضى على خروجه من مصر شهر بالتمام، وسار
مخترقاً غابة اللبوة حتى بلغ بلدة شابتوتا ( ربلة الحالية ) على نهر
الأورنت (نهر العاصي ) وعسكر على ربوة تشرف على الوادي الفسيح التي تقع
مدينة قادش في شماله على مسيرة يوم واحد.
وبعد وصوله هناك دخل معكسره اثنان من الشاسو ( البدو) وادّعيا أنهما
يتكلمان باسم إخوانهم رؤساء قبائل البدو وأنهم يعرضون الولاء والتحالف مع
مصر بدلاً من الاستعباد الحثي، وأسلمها لرجاله فاستجوبوهما عن مكان جيوش
الحثيين فأخبراهم أن حاكم خاتى ما إن سمع بمقدم فرعون حتى ارتعد وتقهقر
بجيوشه إلى ما حول حلب في الشمال.
وكان هذا النبأ مفرحاً للفرعون ولاعتقاده الشديد في قوة جيشه فقد صدّقه
على الفور، ومع أن هذه الأخبار كانت مبهجة أكثر من اللازم بحيث تدعو إلى
الارتياب في صحتها وكان الواجب التحقق منها بإرسال العيون وفرق الكشافة،
إلا أن رمسيس الثاني وقد ملأه الزهو بنفسه فإنه صدقها، وأسرع على رأس فيلق
أمون يعبر مخاضة نهر العاصي إلى السهل الذي تقع في شماله مدينة قادش.
قادش: تقع قادش على الضفة الغربية لنهر العاصي جنوب بحيرة حمص بعدة
كيلومترات وهناك رافد لنهر العاصي يجر في الشمال الغربي منها، وكان هذا من
أسباب منعتها إذ بشق قناة تصل بين النهرين تصبح قادش وكأنها جزيرة يصعب
اقتحامها ومن ثم فإن من يستولي عليها يمكنه التحكم في كل شمال سوريا.
قلنا إن رمسيس الثاني عبر نهر العاصي ثم سار إلى مرتفع شمال غربي قادش
وأقام معسكره هناك في انتظار وصول باقي فيالق الجيش ليتابع السير في أثر
جيش خيتا الذي كان يظن أنه في الشمال حسب ما أخبره الجاسوسان وهنا نزلت
عليه صاعقة من السماء الصافية التي كان يحلق فيها، فقد وقع في أيدي فرق
استطلاعه جنديان من جيش العدو كانا في مهمة لاستكشاف موقع جيش المصريين
وعدده، وبالضرب استخلصوا منهما الحقيقة وهو أن جيش الحثيين في مكان شرقي
قادش وهو في طريقه ليعبر نهر العاصي وأن الجاسوسيين الأولين كانا خدعة من
ملك خيتا، وأدرك رمسيس الثاني هول الكارثة المتوقعة، وراح يوبخ ضباطه على
إهمال فرق الاستطلاع وبسرعة أعاد ترتيب الفيلق الذي يرأسه استعداداً لهجوم
العدو، كما أرسل الرسل على عجل إلى فيلق بتاح وسوتخ ليسرعا السير، وفي هذه
الأثناء كان نصف الجيش الحيثي قد عبر مخاضة نهر العاصي وهاجم فيلق رع
بينما الجنود يسيرون في استرخاء غير متوقعين القتال، وتشتت الفيلق ودمر
تماماً، ثم تابع جيش خيتا تقدمه حتى أصبح في مواجهة فيلق آمون، وبدأ في
مهاجمته ورأى جنود فيلق آمون بقايا الجنود من فيلق رع يجرون مذعورين
تتبعهم عاصفة التراب التي تثيرها عربات العدو وهي تلاحقهم فدب الذعر في
قلوبهم ولم يدروا ماذا يفعلون حتى أحاط جنود العدو بهم، ثم اندفعت فرقة من
جنود العدو تهاجم الجناح الغربي من الفيلق وهنا أظهر رمسيس الثاني شجاعة
فائقة إذا اندفع على عربته وقاتل الفرقة المهاجمة بشراسة اليائس والغاضب
من تخاذل قواته ويطوف بذهنه شبح الهزيمة فيعطيه قوة مضاعفة على القتال
وبهت ضباط الفرقة المهاجمة من هذه الشجاعة وقدروا أن كل جنوده سيحاربون
مثله فضعفت عزيمتهم وارتبكوا، وفي نفس هذه اللحظة كان فريق الفتوة قد وصل
من الغرب وبدأ في مهاجمة العدو من الخلف وظن الحثيين أن فريق الفتوة قد
وصل من الغرب وبدأ في مهاجمة العدو من الخلف وظن الحيثيون أن فريق الفتوة
هذا مقدمة جيش كبير فتخاذلوا في القتال كما أن الغبار الذي كان يثيره فيلق
( بتاح ) بدأ يظهر في الأفق من ناحية الجنوب، وشدد رمسيس الثاني عليهم
القتال ففروا هاربين عبر النهر يلقون أنفسهم فيه طلباً للنجاة وكان من بين
من ألقوا بأنفسهم فيه أمير حلب الذي لم يكن يحسن السباحة فابتلع كمية
كبيرة من المياه وتم إنقاذه، وهناك رسم يصور جندوه وقد أمسكوه من رجليه
مقلوباً لإفراغ ما في جوفه من مياه.
ووصل فيلق (بتاح ) أرض المعركة وبدأ يشترك في المطاردة وفي جمع الأسرى،
وذهل ملك خيتا لما آلت إليه نتيجة المعركة مع أن جزءاً كبيراً من جيشه كان
لا يزال في الشرق ولم يشترك في المعركة ولو تقدم واشترك فيها لكان النصر
حليفه ولكن ملك خيتا ارتد بباقي جيشه لما رأى فرار جنوده وأرسل يطلب وقف
القتال والصلح وكان التعب قد حل بجيش رمسيس أيضاً فقبل الصلح.